هل الحوار الإسلامي المسيحي ضرورة؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
هل الحوار الإسلامي المسيحي ضرورة؟
يتنامى الاهتمام بالحوار في عصرنا هذا بحيث أصبح مصطلحاً مهماً في العلاقات الإسلامية المسيحية، وهو جوهر الحياة البشرية حين يتم بين ذوي النوايا الطيبة، إنه تقليد حضاري، وفعل ثقافي رفيع المستوى، ومجال للتعارف والتفاهم، وتحقيق المحبة والعدالة، والعيش والحياة المشتركة في مجتمع متعدد متنوع·
ولا شك أننا بحاجة ماسة في أيامنا هذه لحوار بين الحضارات وبين الأديان وأتباعهما، حيث حصلت تغيرات كثيرة ـ بين الأمم والجماعات نتيجة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، في واشنطن ونيويورك ـ عن ما كانت عليه الأوضاع قبل هذا التاريخ، فأثرت تداعيات هذه الأحداث علىعلاقاتنا مع الآخرين بشكل أو بآخر في المنظومة الثقافية والسياسية للمجتمعات المسلمة في العالم، وطغت على ساحة الإعلام والفكر، والسياسة الغربية تيارات أعيد ضخها من جديد بما فيها من صراع وصدام بين الحضارات، وكلها تتناقض مع ديننا، وهي معادية لهويتنا الحضارية، معبئة للرأي العام في الغرب ضد الإسلام والمسلمين، ولا أدل على ذلك من قول إحدى الصحف >إنه يوجد في العالم الإسلامي أكثر من 10% أي ما يعادل مئة مليون مسلم، هم إرهابيون يؤمنون بالحرب المقدَّسة ـ يقصد الجهاد والتطرف والإرهاب ـ ويعلل وجود هذه النسبة الكبيرة من الإرهابيين في العالم الإسلامي قيام حكومات في العالم العربي والإسلامي باعتماد مناهج دينية في المؤسسات التعليمية والمعاهد الدينية ومنابر المساجد تشجع على كراهية النصارى والتحريض على بغضهم!!، وراحت القنوات الفضائية الغربية تصور أبناء المدارس القرآنية بشكل هستيري يجعل المشاهد الغربي يصدق أن هؤلاء وحوش صغيرة تربى على الفتك به مستقبلاً(1)·
من جهة أخرى، شنت صحيفة >نيويورك تايمز<، في عددها الصادر 9/10/2001م، حملة شعواء على المناهج الدراسية الدينية في بعض البلدان الإسلامية وخصوصاً في مصر والسعودية، وزعمت أن كتب الدين الدراسية في المدارس السعودية تحتوي على تحذيرات للمسلمين من تكوين أي صداقات مع اليهود والمسيحيين، لأنهم كفرة وأعداء لهم، وتدَّعي الصحيفة أن تلك الأفكار المعادية للغرب تبرر القيام بأعمال عنف تجاه غير المسلمين، كما أن ذلك من شأنه دعم ما أسمتهم بـ>الإرهابيين<، زاعمة أنه إذا أظهر أحد الطلبة شيئاً من الحماس في دراسته الدينية يتم تجنيده على الفور ويحمل سلاحاً ويذهب إلى أفغانستان للدفاع عن الإسلام·
وادَّعت الصحيفة أن تلك الأفكار ليست سائدة فقط في المدارس السعودية، بل بدأت في الانتشار أيضاً في برامج التلفاز والإنترنت والمساجد، حيث يتم إلقاء الخطب والدروس الدينية المحرِّضة على كراهية الغرب·(2)
ولعلنا حين نتأمل في مضمون ما يقدم في وسائل الإعلام من دعاوى مغرضة، وما تضخه مراكز الدراسات والأبحاث في الغرب، نتلمس فيها الحقد الدفين والكراهية العنصرية ضد المسلمين، والهيمنة والتسلط، ورسم الصور المشوهة للإسلام والمسلمين، إنها التعبير عن وجود أجنحة إعلامية وثقافية وسياسية معبأة في الغرب تنشط وفق منظور مؤسساتي محدد لمحاولة تجميع القوى الرسمية والشعبية معها ضد عالمنا الإسلامي الموسوم بالإرهاب والتخلف، ويصل الأمر بهم أيضاً إلى إثارة النعرات الطائفية بين أبناء الديانات السماوية·
ونقول لهؤلاء: الإسلام يبسط لكم يده، ويقول ساحتي نظيفة، ووسائلي ظاهرة، وغايتي طيبة، والعمل من خلالي مشرّف وسعادة فتعالوا إلى مائدتي فإن لي منهجاً وقدوة· أما منهجي فهو القرآن الكريم، إنه كتاب جامعٍ حاوغ إذ يقول الله تعالى: (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء) الأنعام:38، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، وأما القدوة فهو نبي أمي جمع كل خصال الكمال، وما من فن إلا وله فيه حكم وما من قول له إلا عليه أنوار الوحي يغترف من فيض علمه كل العلماء في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومازال فكره ينبض بالعطاء<(3)·
فإلى هذين المصدرين الأساسين نتجه لنريح ونستريح ونرى ماذا علَّمنا الإسلام من مبادئ في الحوار والعيش المشترك وعندما نتحدث عن حوار إسلامي مسيحي فهو يندرج ضمن إطار أوسع هو حوار الحضارات في عالم اليوم·
وكذلك إذا عدنا للتاريخ الإسلامي نستقرئه، نرى أن الإسلام كفل للمسيحيين وغيرهم من أهل الكتاب الحرية الدينية والحوار على أساس موضوعي بعيد عن المهاترات والسخرية بالآخرين، فجرت مؤتمرات وحوارات في العهود الإسلامية المختلفة، ففي مطلع القرن الثالث الهجري عقد في >مرو< حوار بين الأديان من غير مجاملات ومداهنات، جمع هذا الحوار >الجاثليق< كبير النصارى، و>رأس الجالوت< زعيم اليهود >والهربذ< الأكبر ممثل >الزرادشتيه<، و>عمران الصابئ< قطب الصابئة، والفيلسوف >قسطاس الرومي<، وجمع من المتكلمين(4)·
وعقدت مؤتمرات >كمؤتمر أشبيلية< في سنة 661هـ ـ 287م، ومؤتمر قرطبة سنة 832هـ ـ 258م(5)·
ولقد قامت علاقات جيدة بين المسلمين والمسيحيين في النواحي السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية، >وكانت العلاقات الدينية كثيرة بين علماء الدين الإسلامي وأئمة النصارى، وقامت جدالات صريحة بين الفقهاء واللاهوتيين بحضرة الخليفة العباسي المأمون<(6)·
وهذا الخليفة العباسي المهدي يستدعي >الجاثليق طيماثاوس< في أكثر الأيام··· وكانت له مباحث يطول شرحها·
يروي >طيماثاوس< نفسه بعض ما جرى في هذه المناظرات في رسائله إلى صديقه >سرجس<·
ففي بداية وقائع مناظرات اليوم الثاني، كما وردت في النص السرياني، يسر >الجاثليق< إلى صديقه، بأن المقابلات مع الخليفة كانت تجري باستمرار، وكانت حيناً تتعلق في شؤون الدولة، وحيناً آخر لإرواء الظمأ إلى الحكمة الذي كان يشتعل في صدر الخليفة، فهو ودود ويحب تعلُّم الحكمة متى وجدها عند غيره·(7)
وها هو الخليفة المستنصر في الأندلس (350 ـ 366هـ) يجلس في ديوانه ومن حوله كبار نصارى الأندلس المعاهدين، ومنهم >الوليد بن الخيزران< قاضي نصارى قرطبة، وعبدالله بن القاسم مطران >طليطلة<(·
ونعم >النصارى في العصور العربية الإسلامية الزاهية··· باحترام المسلمين وتقديرهم، فكان لهم شأن في الدولة تمكنوا به من المحافظة على معظم كنائسهم وأديرتهم، كما حافظوا على حياتهم الدينية<(9)·
إن مثل هذا التعايش، والحرية الدينية التي تمتع بها المسيحيون في ظل الدولة الإسلامية، دفعت البطريرك المسيحي في >مرو< ـ الذي كان يطلق عليه بطريرك فارس، واسمه >سيمون< ـ ليقول ما يلي: >إن العرب الذين أورثهم الله مُلك الأرض لا يهاجمون الديني المسيحي أبداً، بل على العكس من ذلك، إنهم يساعدوننا في ديننا ويحترمون إلهنا وقديسنا، ويهبون العطايا لكنائسنا وأديرتنا<، (وهذا البطريرك كان يعيش في حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان)(10)·
وفي ظل هذه الحرية التي تمتع بها أهل الكتاب بعامة، والمسيحون بخاصة، يبدو ذلك التنوع في الحوار الإسلامي المسيحي في ظل الدولة الإسلامية·
الحوارات في ظل الدولة الإسلامية
يمكن أن نقدم بعض الأمثلة عن حوارات إسلامية مسيحية في ظل الدولة الإسلامية والتي نقسمها إلى:
أ ـ الحوارات الفردية:
تعتبر الحوارات الفردية الإسلامية المسيحية >من أكثر ما سجله تاريخ الجدل العقائدي، لأنه نشأ على الاحتكام المباشر بين المسلمين والمسيحيين، وكان يتم بين كل طبقات المجتمع، بدءاً من الفرد من عامة الناس، وصولاً إلى العالم المتخصص انتهاء إلى رجل الدولة، حيث كان الحوار ممارسة يومية، يعيشها المسلمون والمسيحيون على السواء<(11)· ومن هذه الحوارات على سبيل المثال: حوار الخليفة العباسي المهدي مع >الجاثليق طيماثاوس<، وحوار الخليفة العباسي >هارون الرشيد< مع طبيبه الخاص، وحوارات مع فلاسفة وقسيسين وبعض علماء المسلمين·
ب ـ الحوارات الجماعية:
هذه الحوارات هي أشبه ما تكون بالندوات والمؤتمرات وحلقات البحث في أيامنا هذه وتعتبر من أهم الحوارات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين وذلك لأسباب عدة منها: ـ نوعية المتحاورين من حيث المكانة العلمية والتعمق الكثير في أديانهم·
ـ الجو الذي تقوم فيه هذه الحوارات، حيث يمكن أن يتجمع عدد كبير من العلماء والمفكرين من كلا الطرفين، وأحياناً تكون هذه الحوارات على مرأى ومسمع الجماهير المسلمة والمسيحية· ونذكر من هذه الحوارات الجماعية:
1 ـ الحوارات التي كانت تجرى في مجلس الخليفتين الأمويين معاوية بن أبي سفيان (06هـ ـ 086م)، وعبدالملك بن مروان (ت86هـ ـ 785م)·
2 ـ حوارات علي الرضا (ت203هـ ـ 818م) و>جاثليق< في مجلس الخليفة العباسي المأمون·
3 ـ حوار بين أبي يزيد البسطامي (ت261هـ ـ 875م) وقسيس ورهبانه في أحد الأديرة في الشام·
4 ـ حوار بين أبي الحسن الأشعري (ت324هـ ـ 936م) وبعض علماء المسلمين من جهة وفيلسوف نصراني في بغداد·
5 ـ حوارات في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ت365هـ ـ 957م)·
6 ـ حوارات في عهد ملوك التتار·
ج ـ الرسائل المتبادلة·
تعتبر الرسائل المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين من أهم الحوارات بينهم، وهي حوارات فردية في الوقت عينه، نذكر منها على سبيل المثال: رسالة >عبدالله بن إسماعيل الهاشمي< إلى >عبدالمسيح الكندي<، ورسالة القاضي >أبي الوليد الباجي< إلى راهب فرنسي، ورسالة ابن تيمية إلى >سرجواس< ملك >قبرص<، ورسالة >الشيخ الحراني< إلى أسقف مدينة >طركونة<·
ولا شك أن هذه الحوارات على تنوعها كانت ترتكز من قبل المسلم على منهج رسمه له القرآن الكريم وفصلته السنَّة النبوية الشريفة· المحاور والعناصر التي ينبغي توافرها في قضية الحوارات عامة: أولاً شخصية الإنسان المحاور المسلم:
1 ـ الإيمان العميق بمبادئ الإسلام وأهدافه·
يطلب من المسلم المحاور أن يكون مؤمناً بالله ورسوله وكتابه، وأن يتقي الله، ويتواضع لله، ويثق بنصره، ويعتز بالحق ويتشبث به·
كذلك على المحاور أن يتأدب بأخلاق الإسلام، ويتأسى بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته الكرام في الحوار، ومخاطبة الناس من منطق الإيمان بوحدة التنوع في المجتمع الإسلامي، يقول صلى الله عليه وسلم: >كلكم لآدم وآدم من تراب<·
2 ـ العلم الواسع بالإسلام وأحكامه والمسيحية ومبادئها
· لا يجوز للمحاور المسلم أن يحاور المسيحي إذا لم يكن على علم واسع أولاً بالدين الإسلامي، وثانياً بالدين المسيحي، ومطلوب منه أن يكون عالماً بالعصر، فقيهاً بقضاياه ومشكلاته، ومنفتح العقل، وعندما أقف عند معرفة المحاور المسلم للمسيحي نجد معرفة بعضهم >عن المسيحية تكاد تنحصر بالنص القرآني، أما دراسة اللاهوت المسيحي وفلسفته فكانت في معظم الأحيان غائبة عن ثقافة المحاور المسلم<(12)· ولا يجوز ألا يعرف المحاور الآخر لأن الجهل >عدو الحوار وعدو السلام، فاحترام الآخر لا يكون إلا على أساس معرفته حق المعرفة، فالمعرفة طريق المشاركة في صنع المستقبل<(13)·
3 ـ الحكمة الشاملة·
إن من يعود إلى القرآن الكريم يجد كلمة الحكمة ترد في مواضع كثيرة فيه، ويرى أن كثيراً من الأنبياء تمتعوا بالحكمة ومنهم نبي الله >داود، وعيسى< عليه السلام، يقول سبحانه وتعالى في الآية 13 من سورة الزخرف: (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون)(13)، ومن بين عباد الله الصالحين الذين اختصهم الله بالحكمة لقمان الحكيم·
إن من يريد حواراً هادفاً جاداً عليه أن يكون حكيماً، لأن >الحكمة هي جماع العلم والمعرفة، ومن عناصرها الفطنة، وحسن الفهم، وعمق الوعي، وسعة الإدراك، والرشد، والتنمية والقصد، والاعتدال<(14)· يقول سبحانه وتعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) البقرة:269·
4 ـ الحرية الفكرية:
ينبغي أن يؤمن المناخ الفكري الهادئ للحوار وذلك من خلال إقامة جسور من الثقة بين الأطراف المتحاورة، والاحترام المتبادل، والبعد عن الإرهاب الفكري والنفسي، ونبذ التعصب، إنها الصورة العامة التي يعطيها المجتمع عن العلاقات السائدة بين أفراده·
يقول سبحانه وتعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة:8· فالتوجيه القرآني هنا >يرقى من مستوى نبذ التعصب والكراهية إلى مقام أرفع، وهو البر بالناس كافة، ومعاملتهم بالقسط ـ وهو العدل ـ جميعاً، والبر هو الإحسان بكل دلالاته الأخلاقية واللغوية<(15)، والسعي إلى نبذ كل مظاهر ثقافة الكراهية بين الأديان، والتعصب بين أتباعها·
ويمكن أن نرى هذه النماذج بوضوح في القرآن الكريم، ومن خلال سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، >فالقرآن يعرض أمراً واضحاً في الحوار بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين الأطراف الأخرى التي يحاورها خلال مسيرة الدعوة، وفي هذا الأمر يقول: >إن الرسول بشر مثل سائر البشر، ولم يتفضل عليهم إلا بتلك الرسالة الربانية، ومهمة التبليغ والتوضيح وحسب، فبهذا العرض تزول كل مظاهر السيطرة أو التعالي، أو عملية الاحتواء بسبب الصفات أو الألقاب أو الإيحاءات التي قد تعرض من قبل المحاور لأجل الهيمنة على الطرف المقابل<(16)، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى موضحاً هذه النطة: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد) الكهف:110·
فإذا كان مطلوب من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ألا يمارس هيمنة ولا سلطة ولا تكبراً على المدعويين، بل يترك لهم الحرية والاستقلالية في التفكير، فمن باب أولى أن ينطبق هذا على المسلم الذي يحاور الآخرين·
ثانياً: شخصية الإنسان المحاور غير المسلم·
يطلب إلى المحاور غير المسلم أن يكون لديه الرغبة الواضحة في الحوار، ونشدان الحقيقة، والاعتراف بالحق إذا ظهر، وعدم المعاندة، وأن يكون على علم بالإسلام، وبالأديان الأخرى، فالحقيقة ينبغي أن تنشد ويبحث عنها ويسعى إليها، وأن يقصد ما فيه الصالح العام من شتى الطرق وبمختلف الوسائل التي تحقق مصالح العباد والبلاد·
وأن يكون الحوار صيغة جامعة، وأسلوباً من أساليبها التقارب والتجاذب والتفاعل، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل·
ثالثاً: إيجاد المناخ الهادئ للتفكير المستقل·
يحتاج المحاور إلى بيئة هادئة بعيدة عن كل المؤثرات الداخلية والخارجية، وخصوصاً ما يحمله كل طرف تجاه الآخر من انفعالات ومن صورة مسبقة مرسومة في الأهان لا يحيدون عنها·
فالحوار يتطلب الاحترام المتبادل، والثقة بالآخر، ونشدان الحقيقة، والإنصاف والاعتدال· رابعاً: العلم بموضوعات الحوار·
لابد لكل من يحاور أن يكون على معرفة بموضوعات الحوار، لأن الجهل وعدم المعرفة قد يؤديان إلى مهاترات وشتائم ليغطي فيها كل واحد عجزه وجهله· وينبغي أن تكون موضوعات الحوار حول كل ما فيه مصلحة الفرد والجماعة >وحينما يتعلق الأمر بالحوار الإسلامي المسيحي لا ينبغي الدخول في مناقشة مسائل الاعتقاد على حساب قضايا عملية تعود معالجتها بالنفع والفائدة على الطرفين، لا تهرباً، ولكن لأن مثل هذه المناقشة لا فائدة فيها وهي أقرب إلى الجدل العقيم واللجاج السقيم، ولذلك فإن من هذه القضايا التي يجب التركيز عليها، التعاون من أجل إقرار المبادئ والتعاليم الدينية المشتركة التي تحض على احترام الحياة الإنسانية، وعلى مراعاة حرمة الإنسان ،وعلى السعي في الأرض من أجل الخير والأمن والسلام، وعلى محاربة الإلحاد والرذيلة والفساد والظلم والطغيان، وعلى دعوة الناس إلى قيم المحبة والتسامح والإخاء الإنساني، وهذه مساحات شاسعة للعمل المشترك من أجل الإنسان، وفي خدمة البشرية، وإنقاذ العالم من الشرور والموبقات·(16)
الهوامش
1 ـ عيسى الطيب طيبي: >الإسلاموفوبيا< وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر، مجلة الضياء، دبي، دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 7، ذو الحجة 1422هـ ـ 2002م، ص4·
2 ـ المرجع عينه، ص· ص 4 ـ 5·
3 ـ منصور الرفاعي عبيد: الإسلام وموقفه من العنف والتطرف والإرهاب، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987م، ص 67· ر4 ـ بسام داود عجك: الحوار الإسلامي المسيحي، لا·م، دار قتيبة للنشر والتوزيع، ط1، 1418هـ، 1998م، ص170·
5 ـ عبدالرحمن علي الحجي: الحضارة الإسلامية في الأندلس، بيروت، دار الدراسات للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1369هـ ـ 1963م، ص23· 6 ـ المطران، ميشيل يتيم، الاشمندريت، إغناطيوس ديك، تاريخ الكنيسة الشرقية، جونية، المكتبة البولسية، 1991م، ص171·
7 ـ جان موريس فييه: أحوال النصارى في خلافة بني العباس، ترجمة حسني زينة، بيروت، دار المشرق، ط1، 1990م، ص75·
8 ـ المقري: نفح الطيب، ج1، تحقيق أحمد فريد الرفاعي، دار المأمون بمصر، د·ت، ص252·
9 ـ المطران ميشيل يتيم، الأرشمندريت إغناطيوس ديك: تاريخ الكنيسة الشرقية، مرجع سابق، ص171·
10 ـ سيد أمير علي: روح الإسلام، ترجمة عمر الديراوي، بيروت، دار العلم للملايين، ط7، 1918م، ص225·
11 ـ بسام داود عجك: الحوار الإسلامي المسيحي، المرجع السابق، ص168·
12 ـ محمد السماك: >الحوار المسيحي الإسلامي وجهة نظر إسلامية<، في المسيحية والإسلام، مرايا متقابلة، مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، جامعة البلمند، 1997م، ص157·
13 ـ سعود المولى: الحوار الإسلامي المسيحي ضرورة المغامرة، بيروت، دار المنهل اللبناني، 1417هـ ـ 1996م، ص14·
14 ـ عبدالعزيز بن عثمان التويجري: الحوار من أجل التعايش، القاهرة، بيروت، دار الشروق، ط1، 1419هـ ـ 1998م، ص15·
15 ـ عبدالعزيز بن عثمان التويجري: الحوار من أجل التعايش، المرجع السابق، ص15·
16 ـ بسام داود عجك: الحوار الإسلامي المسيحي، المرجع السابق، ص15
ولا شك أننا بحاجة ماسة في أيامنا هذه لحوار بين الحضارات وبين الأديان وأتباعهما، حيث حصلت تغيرات كثيرة ـ بين الأمم والجماعات نتيجة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، في واشنطن ونيويورك ـ عن ما كانت عليه الأوضاع قبل هذا التاريخ، فأثرت تداعيات هذه الأحداث علىعلاقاتنا مع الآخرين بشكل أو بآخر في المنظومة الثقافية والسياسية للمجتمعات المسلمة في العالم، وطغت على ساحة الإعلام والفكر، والسياسة الغربية تيارات أعيد ضخها من جديد بما فيها من صراع وصدام بين الحضارات، وكلها تتناقض مع ديننا، وهي معادية لهويتنا الحضارية، معبئة للرأي العام في الغرب ضد الإسلام والمسلمين، ولا أدل على ذلك من قول إحدى الصحف >إنه يوجد في العالم الإسلامي أكثر من 10% أي ما يعادل مئة مليون مسلم، هم إرهابيون يؤمنون بالحرب المقدَّسة ـ يقصد الجهاد والتطرف والإرهاب ـ ويعلل وجود هذه النسبة الكبيرة من الإرهابيين في العالم الإسلامي قيام حكومات في العالم العربي والإسلامي باعتماد مناهج دينية في المؤسسات التعليمية والمعاهد الدينية ومنابر المساجد تشجع على كراهية النصارى والتحريض على بغضهم!!، وراحت القنوات الفضائية الغربية تصور أبناء المدارس القرآنية بشكل هستيري يجعل المشاهد الغربي يصدق أن هؤلاء وحوش صغيرة تربى على الفتك به مستقبلاً(1)·
من جهة أخرى، شنت صحيفة >نيويورك تايمز<، في عددها الصادر 9/10/2001م، حملة شعواء على المناهج الدراسية الدينية في بعض البلدان الإسلامية وخصوصاً في مصر والسعودية، وزعمت أن كتب الدين الدراسية في المدارس السعودية تحتوي على تحذيرات للمسلمين من تكوين أي صداقات مع اليهود والمسيحيين، لأنهم كفرة وأعداء لهم، وتدَّعي الصحيفة أن تلك الأفكار المعادية للغرب تبرر القيام بأعمال عنف تجاه غير المسلمين، كما أن ذلك من شأنه دعم ما أسمتهم بـ>الإرهابيين<، زاعمة أنه إذا أظهر أحد الطلبة شيئاً من الحماس في دراسته الدينية يتم تجنيده على الفور ويحمل سلاحاً ويذهب إلى أفغانستان للدفاع عن الإسلام·
وادَّعت الصحيفة أن تلك الأفكار ليست سائدة فقط في المدارس السعودية، بل بدأت في الانتشار أيضاً في برامج التلفاز والإنترنت والمساجد، حيث يتم إلقاء الخطب والدروس الدينية المحرِّضة على كراهية الغرب·(2)
ولعلنا حين نتأمل في مضمون ما يقدم في وسائل الإعلام من دعاوى مغرضة، وما تضخه مراكز الدراسات والأبحاث في الغرب، نتلمس فيها الحقد الدفين والكراهية العنصرية ضد المسلمين، والهيمنة والتسلط، ورسم الصور المشوهة للإسلام والمسلمين، إنها التعبير عن وجود أجنحة إعلامية وثقافية وسياسية معبأة في الغرب تنشط وفق منظور مؤسساتي محدد لمحاولة تجميع القوى الرسمية والشعبية معها ضد عالمنا الإسلامي الموسوم بالإرهاب والتخلف، ويصل الأمر بهم أيضاً إلى إثارة النعرات الطائفية بين أبناء الديانات السماوية·
ونقول لهؤلاء: الإسلام يبسط لكم يده، ويقول ساحتي نظيفة، ووسائلي ظاهرة، وغايتي طيبة، والعمل من خلالي مشرّف وسعادة فتعالوا إلى مائدتي فإن لي منهجاً وقدوة· أما منهجي فهو القرآن الكريم، إنه كتاب جامعٍ حاوغ إذ يقول الله تعالى: (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء) الأنعام:38، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، وأما القدوة فهو نبي أمي جمع كل خصال الكمال، وما من فن إلا وله فيه حكم وما من قول له إلا عليه أنوار الوحي يغترف من فيض علمه كل العلماء في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومازال فكره ينبض بالعطاء<(3)·
فإلى هذين المصدرين الأساسين نتجه لنريح ونستريح ونرى ماذا علَّمنا الإسلام من مبادئ في الحوار والعيش المشترك وعندما نتحدث عن حوار إسلامي مسيحي فهو يندرج ضمن إطار أوسع هو حوار الحضارات في عالم اليوم·
وكذلك إذا عدنا للتاريخ الإسلامي نستقرئه، نرى أن الإسلام كفل للمسيحيين وغيرهم من أهل الكتاب الحرية الدينية والحوار على أساس موضوعي بعيد عن المهاترات والسخرية بالآخرين، فجرت مؤتمرات وحوارات في العهود الإسلامية المختلفة، ففي مطلع القرن الثالث الهجري عقد في >مرو< حوار بين الأديان من غير مجاملات ومداهنات، جمع هذا الحوار >الجاثليق< كبير النصارى، و>رأس الجالوت< زعيم اليهود >والهربذ< الأكبر ممثل >الزرادشتيه<، و>عمران الصابئ< قطب الصابئة، والفيلسوف >قسطاس الرومي<، وجمع من المتكلمين(4)·
وعقدت مؤتمرات >كمؤتمر أشبيلية< في سنة 661هـ ـ 287م، ومؤتمر قرطبة سنة 832هـ ـ 258م(5)·
ولقد قامت علاقات جيدة بين المسلمين والمسيحيين في النواحي السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية، >وكانت العلاقات الدينية كثيرة بين علماء الدين الإسلامي وأئمة النصارى، وقامت جدالات صريحة بين الفقهاء واللاهوتيين بحضرة الخليفة العباسي المأمون<(6)·
وهذا الخليفة العباسي المهدي يستدعي >الجاثليق طيماثاوس< في أكثر الأيام··· وكانت له مباحث يطول شرحها·
يروي >طيماثاوس< نفسه بعض ما جرى في هذه المناظرات في رسائله إلى صديقه >سرجس<·
ففي بداية وقائع مناظرات اليوم الثاني، كما وردت في النص السرياني، يسر >الجاثليق< إلى صديقه، بأن المقابلات مع الخليفة كانت تجري باستمرار، وكانت حيناً تتعلق في شؤون الدولة، وحيناً آخر لإرواء الظمأ إلى الحكمة الذي كان يشتعل في صدر الخليفة، فهو ودود ويحب تعلُّم الحكمة متى وجدها عند غيره·(7)
وها هو الخليفة المستنصر في الأندلس (350 ـ 366هـ) يجلس في ديوانه ومن حوله كبار نصارى الأندلس المعاهدين، ومنهم >الوليد بن الخيزران< قاضي نصارى قرطبة، وعبدالله بن القاسم مطران >طليطلة<(·
ونعم >النصارى في العصور العربية الإسلامية الزاهية··· باحترام المسلمين وتقديرهم، فكان لهم شأن في الدولة تمكنوا به من المحافظة على معظم كنائسهم وأديرتهم، كما حافظوا على حياتهم الدينية<(9)·
إن مثل هذا التعايش، والحرية الدينية التي تمتع بها المسيحيون في ظل الدولة الإسلامية، دفعت البطريرك المسيحي في >مرو< ـ الذي كان يطلق عليه بطريرك فارس، واسمه >سيمون< ـ ليقول ما يلي: >إن العرب الذين أورثهم الله مُلك الأرض لا يهاجمون الديني المسيحي أبداً، بل على العكس من ذلك، إنهم يساعدوننا في ديننا ويحترمون إلهنا وقديسنا، ويهبون العطايا لكنائسنا وأديرتنا<، (وهذا البطريرك كان يعيش في حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان)(10)·
وفي ظل هذه الحرية التي تمتع بها أهل الكتاب بعامة، والمسيحون بخاصة، يبدو ذلك التنوع في الحوار الإسلامي المسيحي في ظل الدولة الإسلامية·
الحوارات في ظل الدولة الإسلامية
يمكن أن نقدم بعض الأمثلة عن حوارات إسلامية مسيحية في ظل الدولة الإسلامية والتي نقسمها إلى:
أ ـ الحوارات الفردية:
تعتبر الحوارات الفردية الإسلامية المسيحية >من أكثر ما سجله تاريخ الجدل العقائدي، لأنه نشأ على الاحتكام المباشر بين المسلمين والمسيحيين، وكان يتم بين كل طبقات المجتمع، بدءاً من الفرد من عامة الناس، وصولاً إلى العالم المتخصص انتهاء إلى رجل الدولة، حيث كان الحوار ممارسة يومية، يعيشها المسلمون والمسيحيون على السواء<(11)· ومن هذه الحوارات على سبيل المثال: حوار الخليفة العباسي المهدي مع >الجاثليق طيماثاوس<، وحوار الخليفة العباسي >هارون الرشيد< مع طبيبه الخاص، وحوارات مع فلاسفة وقسيسين وبعض علماء المسلمين·
ب ـ الحوارات الجماعية:
هذه الحوارات هي أشبه ما تكون بالندوات والمؤتمرات وحلقات البحث في أيامنا هذه وتعتبر من أهم الحوارات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين وذلك لأسباب عدة منها: ـ نوعية المتحاورين من حيث المكانة العلمية والتعمق الكثير في أديانهم·
ـ الجو الذي تقوم فيه هذه الحوارات، حيث يمكن أن يتجمع عدد كبير من العلماء والمفكرين من كلا الطرفين، وأحياناً تكون هذه الحوارات على مرأى ومسمع الجماهير المسلمة والمسيحية· ونذكر من هذه الحوارات الجماعية:
1 ـ الحوارات التي كانت تجرى في مجلس الخليفتين الأمويين معاوية بن أبي سفيان (06هـ ـ 086م)، وعبدالملك بن مروان (ت86هـ ـ 785م)·
2 ـ حوارات علي الرضا (ت203هـ ـ 818م) و>جاثليق< في مجلس الخليفة العباسي المأمون·
3 ـ حوار بين أبي يزيد البسطامي (ت261هـ ـ 875م) وقسيس ورهبانه في أحد الأديرة في الشام·
4 ـ حوار بين أبي الحسن الأشعري (ت324هـ ـ 936م) وبعض علماء المسلمين من جهة وفيلسوف نصراني في بغداد·
5 ـ حوارات في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ت365هـ ـ 957م)·
6 ـ حوارات في عهد ملوك التتار·
ج ـ الرسائل المتبادلة·
تعتبر الرسائل المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين من أهم الحوارات بينهم، وهي حوارات فردية في الوقت عينه، نذكر منها على سبيل المثال: رسالة >عبدالله بن إسماعيل الهاشمي< إلى >عبدالمسيح الكندي<، ورسالة القاضي >أبي الوليد الباجي< إلى راهب فرنسي، ورسالة ابن تيمية إلى >سرجواس< ملك >قبرص<، ورسالة >الشيخ الحراني< إلى أسقف مدينة >طركونة<·
ولا شك أن هذه الحوارات على تنوعها كانت ترتكز من قبل المسلم على منهج رسمه له القرآن الكريم وفصلته السنَّة النبوية الشريفة· المحاور والعناصر التي ينبغي توافرها في قضية الحوارات عامة: أولاً شخصية الإنسان المحاور المسلم:
1 ـ الإيمان العميق بمبادئ الإسلام وأهدافه·
يطلب من المسلم المحاور أن يكون مؤمناً بالله ورسوله وكتابه، وأن يتقي الله، ويتواضع لله، ويثق بنصره، ويعتز بالحق ويتشبث به·
كذلك على المحاور أن يتأدب بأخلاق الإسلام، ويتأسى بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته الكرام في الحوار، ومخاطبة الناس من منطق الإيمان بوحدة التنوع في المجتمع الإسلامي، يقول صلى الله عليه وسلم: >كلكم لآدم وآدم من تراب<·
2 ـ العلم الواسع بالإسلام وأحكامه والمسيحية ومبادئها
· لا يجوز للمحاور المسلم أن يحاور المسيحي إذا لم يكن على علم واسع أولاً بالدين الإسلامي، وثانياً بالدين المسيحي، ومطلوب منه أن يكون عالماً بالعصر، فقيهاً بقضاياه ومشكلاته، ومنفتح العقل، وعندما أقف عند معرفة المحاور المسلم للمسيحي نجد معرفة بعضهم >عن المسيحية تكاد تنحصر بالنص القرآني، أما دراسة اللاهوت المسيحي وفلسفته فكانت في معظم الأحيان غائبة عن ثقافة المحاور المسلم<(12)· ولا يجوز ألا يعرف المحاور الآخر لأن الجهل >عدو الحوار وعدو السلام، فاحترام الآخر لا يكون إلا على أساس معرفته حق المعرفة، فالمعرفة طريق المشاركة في صنع المستقبل<(13)·
3 ـ الحكمة الشاملة·
إن من يعود إلى القرآن الكريم يجد كلمة الحكمة ترد في مواضع كثيرة فيه، ويرى أن كثيراً من الأنبياء تمتعوا بالحكمة ومنهم نبي الله >داود، وعيسى< عليه السلام، يقول سبحانه وتعالى في الآية 13 من سورة الزخرف: (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون)(13)، ومن بين عباد الله الصالحين الذين اختصهم الله بالحكمة لقمان الحكيم·
إن من يريد حواراً هادفاً جاداً عليه أن يكون حكيماً، لأن >الحكمة هي جماع العلم والمعرفة، ومن عناصرها الفطنة، وحسن الفهم، وعمق الوعي، وسعة الإدراك، والرشد، والتنمية والقصد، والاعتدال<(14)· يقول سبحانه وتعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) البقرة:269·
4 ـ الحرية الفكرية:
ينبغي أن يؤمن المناخ الفكري الهادئ للحوار وذلك من خلال إقامة جسور من الثقة بين الأطراف المتحاورة، والاحترام المتبادل، والبعد عن الإرهاب الفكري والنفسي، ونبذ التعصب، إنها الصورة العامة التي يعطيها المجتمع عن العلاقات السائدة بين أفراده·
يقول سبحانه وتعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة:8· فالتوجيه القرآني هنا >يرقى من مستوى نبذ التعصب والكراهية إلى مقام أرفع، وهو البر بالناس كافة، ومعاملتهم بالقسط ـ وهو العدل ـ جميعاً، والبر هو الإحسان بكل دلالاته الأخلاقية واللغوية<(15)، والسعي إلى نبذ كل مظاهر ثقافة الكراهية بين الأديان، والتعصب بين أتباعها·
ويمكن أن نرى هذه النماذج بوضوح في القرآن الكريم، ومن خلال سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، >فالقرآن يعرض أمراً واضحاً في الحوار بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين الأطراف الأخرى التي يحاورها خلال مسيرة الدعوة، وفي هذا الأمر يقول: >إن الرسول بشر مثل سائر البشر، ولم يتفضل عليهم إلا بتلك الرسالة الربانية، ومهمة التبليغ والتوضيح وحسب، فبهذا العرض تزول كل مظاهر السيطرة أو التعالي، أو عملية الاحتواء بسبب الصفات أو الألقاب أو الإيحاءات التي قد تعرض من قبل المحاور لأجل الهيمنة على الطرف المقابل<(16)، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى موضحاً هذه النطة: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد) الكهف:110·
فإذا كان مطلوب من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ألا يمارس هيمنة ولا سلطة ولا تكبراً على المدعويين، بل يترك لهم الحرية والاستقلالية في التفكير، فمن باب أولى أن ينطبق هذا على المسلم الذي يحاور الآخرين·
ثانياً: شخصية الإنسان المحاور غير المسلم·
يطلب إلى المحاور غير المسلم أن يكون لديه الرغبة الواضحة في الحوار، ونشدان الحقيقة، والاعتراف بالحق إذا ظهر، وعدم المعاندة، وأن يكون على علم بالإسلام، وبالأديان الأخرى، فالحقيقة ينبغي أن تنشد ويبحث عنها ويسعى إليها، وأن يقصد ما فيه الصالح العام من شتى الطرق وبمختلف الوسائل التي تحقق مصالح العباد والبلاد·
وأن يكون الحوار صيغة جامعة، وأسلوباً من أساليبها التقارب والتجاذب والتفاعل، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل·
ثالثاً: إيجاد المناخ الهادئ للتفكير المستقل·
يحتاج المحاور إلى بيئة هادئة بعيدة عن كل المؤثرات الداخلية والخارجية، وخصوصاً ما يحمله كل طرف تجاه الآخر من انفعالات ومن صورة مسبقة مرسومة في الأهان لا يحيدون عنها·
فالحوار يتطلب الاحترام المتبادل، والثقة بالآخر، ونشدان الحقيقة، والإنصاف والاعتدال· رابعاً: العلم بموضوعات الحوار·
لابد لكل من يحاور أن يكون على معرفة بموضوعات الحوار، لأن الجهل وعدم المعرفة قد يؤديان إلى مهاترات وشتائم ليغطي فيها كل واحد عجزه وجهله· وينبغي أن تكون موضوعات الحوار حول كل ما فيه مصلحة الفرد والجماعة >وحينما يتعلق الأمر بالحوار الإسلامي المسيحي لا ينبغي الدخول في مناقشة مسائل الاعتقاد على حساب قضايا عملية تعود معالجتها بالنفع والفائدة على الطرفين، لا تهرباً، ولكن لأن مثل هذه المناقشة لا فائدة فيها وهي أقرب إلى الجدل العقيم واللجاج السقيم، ولذلك فإن من هذه القضايا التي يجب التركيز عليها، التعاون من أجل إقرار المبادئ والتعاليم الدينية المشتركة التي تحض على احترام الحياة الإنسانية، وعلى مراعاة حرمة الإنسان ،وعلى السعي في الأرض من أجل الخير والأمن والسلام، وعلى محاربة الإلحاد والرذيلة والفساد والظلم والطغيان، وعلى دعوة الناس إلى قيم المحبة والتسامح والإخاء الإنساني، وهذه مساحات شاسعة للعمل المشترك من أجل الإنسان، وفي خدمة البشرية، وإنقاذ العالم من الشرور والموبقات·(16)
الهوامش
1 ـ عيسى الطيب طيبي: >الإسلاموفوبيا< وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر، مجلة الضياء، دبي، دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 7، ذو الحجة 1422هـ ـ 2002م، ص4·
2 ـ المرجع عينه، ص· ص 4 ـ 5·
3 ـ منصور الرفاعي عبيد: الإسلام وموقفه من العنف والتطرف والإرهاب، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987م، ص 67· ر4 ـ بسام داود عجك: الحوار الإسلامي المسيحي، لا·م، دار قتيبة للنشر والتوزيع، ط1، 1418هـ، 1998م، ص170·
5 ـ عبدالرحمن علي الحجي: الحضارة الإسلامية في الأندلس، بيروت، دار الدراسات للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1369هـ ـ 1963م، ص23· 6 ـ المطران، ميشيل يتيم، الاشمندريت، إغناطيوس ديك، تاريخ الكنيسة الشرقية، جونية، المكتبة البولسية، 1991م، ص171·
7 ـ جان موريس فييه: أحوال النصارى في خلافة بني العباس، ترجمة حسني زينة، بيروت، دار المشرق، ط1، 1990م، ص75·
8 ـ المقري: نفح الطيب، ج1، تحقيق أحمد فريد الرفاعي، دار المأمون بمصر، د·ت، ص252·
9 ـ المطران ميشيل يتيم، الأرشمندريت إغناطيوس ديك: تاريخ الكنيسة الشرقية، مرجع سابق، ص171·
10 ـ سيد أمير علي: روح الإسلام، ترجمة عمر الديراوي، بيروت، دار العلم للملايين، ط7، 1918م، ص225·
11 ـ بسام داود عجك: الحوار الإسلامي المسيحي، المرجع السابق، ص168·
12 ـ محمد السماك: >الحوار المسيحي الإسلامي وجهة نظر إسلامية<، في المسيحية والإسلام، مرايا متقابلة، مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، جامعة البلمند، 1997م، ص157·
13 ـ سعود المولى: الحوار الإسلامي المسيحي ضرورة المغامرة، بيروت، دار المنهل اللبناني، 1417هـ ـ 1996م، ص14·
14 ـ عبدالعزيز بن عثمان التويجري: الحوار من أجل التعايش، القاهرة، بيروت، دار الشروق، ط1، 1419هـ ـ 1998م، ص15·
15 ـ عبدالعزيز بن عثمان التويجري: الحوار من أجل التعايش، المرجع السابق، ص15·
16 ـ بسام داود عجك: الحوار الإسلامي المسيحي، المرجع السابق، ص15
رد: هل الحوار الإسلامي المسيحي ضرورة؟
بوركت على هذا العرض الجميل
رياض الشمري- البلد : العراق
الجنس : عدد المساهمات : 65
عدد النقاط : 5327
تاريخ التسجيل : 20/07/2010
العمر : 43
الموقع : العراق- القادسيه
المزاج : جيد
مواضيع مماثلة
» الدين المسيحي
» رائعة الشاعر المسيحي بحق الامام الحسين
» قصيدة الشاعر المسيحي بولس سلامه بحق الامام علي
» رائعة الشاعر المسيحي بحق الامام الحسين
» قصيدة الشاعر المسيحي بولس سلامه بحق الامام علي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى